الجمعة


محاولات الطيران الأولى

قام عباس بن فرناس بتجارب كثيرة، درس في خلالها ثقل الأجسام ومقاومة الهواء لها، وتأثير ضغط الهواء فيها إذا ما حلقت في الفضاء، وكان له خير معين على هذا الدرس تبحره في العلوم الطبيعية والرياضيات والكيمياء فاطلع على خواص الأجسام، واتفق لديه من المعلومات ما حمله على أن يجرب الطيران الحقيقي بنفسه، فكسا نفسه بالريش الذي اتخذه من سرقي الحرير (شقق الحرير الأبيض) لمتانته وقوته، وهو يتناسب مع ثقل جسمه، وصنع له جناحين من الحرير أيضاً يحملان جسمه إذا ما حركهما في الفضاء، وبعد أن تم له كل ما يحتاج إليه هذا العمل الخطير وتأكد من أن باستطاعته إذا ما حرك هذين الجناحين فإنها سيحملانه ليطير في الجو، كما تطير الطيور ويسهل عليه التنقل بهما كيفما شاء.
بعد أن أعد العدة أعلن على الملأ أنه يريد أن يطير في الفضاء، وأن طيرانه سيكون من الرصافة في ظاهر مدينة قرطبة، فاجتمع الناس هناك لمشاهدة هذا العمل الفريد والطائر الآدمي الذي سيحلق في فضاء قرطبة، وصعد أبو القاسم بآلته الحريرية فوق مرتفع وحرك جناحيه وقفز في الجو، وطار في الفضاء مسافة بعيدة عن المحل الذي انطلق منه والناس ينظرون إليه بدهشة وإعجاب وعندما هم بالهبوط إلى الأرض تأذي في ظهره، فقد فاته أن الطير إنما يقع على زمكه (ذيله)، ولم يكن يعلم موقع الذنب في الجسم أثناء هبوطه إلى الأرض، فأصيب في ظهره بما أصيب من أذى. إن عباس بن فرناس قد سبق عباقرة القرن العشرين بأكثر من عشرة قرون، علماً أن الاختراعات في ذلك العصر تعد من عجائب الدهر

الرحلة الجوية الأولى للأخوين رايت

قبل مئة سنة فقط نجح الأخوان رايت أن يطيرا كالعصفور،
وُلد الأخوان أورويل وويربول لعائلة رايت بفارق أربع سنوات بين الواحد والآخر, تعلم الإثنان في المدرسة الثانوية ولكن لم ينجح أي واحد منهما بإنهاء هذه الدراسة بنجاح, إذ كان هناك ما يثير اهتمامهما ويشدهما أكثر من الدراسة كل ما كان يهم الأخوان يتركز في الألعاب الآلية اللائي كانا يركبانها, مثل الدراجة وغيرها.
بعد أن أحضر لهما والدهما هدية, وهي عبارة عن لعبة هليوكبتر, بدءا في بناء ألعاب كثيرة على شاكلتها. لكنهما فشلا في إنشاء نماذج أكبر منها حجمًا. عندما كبرا أسسا مطبعة وأصدرا مجلة أسبوعية, وفي المقابل باعا وأجرا الدراجات اللائي بنياها معًا.
في سنة 1899 قتل شخص اسمه اوتو ليلينتال, الذي كان من رواد التحليق في الفضاء. أثارت هذه الحادثة التي أدت إلى مصرعه اهتمام الأخوين رايت في موضوع الطيران. أخذ الأخوان يتعلمان جميع المعلومات الجديدة وآخر ما تم التوصل اليه في هذا المجال. وبعد ثلاث سنوات أخذا يطّيران طائرات ورقية ضخمة في منطقة كيتي هوك - شمال كارولاينا- الولايات المتحدة.
وفي عام 1899, طيّرا أول طائرة شراعية من صنع أيديهما. بلغ عرض قضبان جناحيهما إلى خمسة أمتار, ووصلت تكاليف بناء هذه الطائرة 15 دولارًا فقط!!!
بعد حوالي سنتين حاول الأخوان رايت تطيير طائرة شراعية أكبر حجما, وأظهرا كيفية التوصل إلى التوازن في الفضاء.
رغم نجاحهما, أصيبا بخيبة أمل بعدم قدرة الطائرة من البقاء في الفضاء, ولكنهما لم ييأسا ولم ينهزما وعادا فورًا الى الاستمرار في أبحاثهما. قام الاثنان برصد حركات العصافير وأجريا تجارب أخرى كثيرة, حتى أفلحا في بناء طائرة هوائية جديدة محسّنة, ذات دينامية التنشيط الهوائي. أفضل من سابقاتها. لقد توصلا الى هذا التغيير الانقلابي من خلال تصميم وتغيير شكل الجناحين, يضمن حل جميع المشاكل السابقة.
أجرى الأخوان رايت على هذه الطائرة الهوائية أكثر من ألف طلعة جوية, قطعا بها حوالي 180 مترا, بعد ذلك أدركا أنهما ابتكرا اختراعا جديدًا فقاما بتسجيل براءة اختراع طائرتهم الشراعية.
ومع ازدياد نجاحهما طمحا في مزيد من الانجاز, وكان هدفهما التالي بناء مركبة تنطلق الى الجو بقواها الذاتية دون الاعتماد على رحمة هبوب الرياح. وفي خريف عام 1903 توفقا في تحقيق مرادهما في بناء طائرتهما الجدية التي أسمياها الطائرة المحلقة كان طول جناحيها 12 مترا.. أما وزنها فقد بلغ 340 كيلوغرام. وبفضل المحرك الخفيف الذي بنياه بأنفسهما استطاعا التحليق في الجو.
بعد مزيد التعديلات والتحسينات, توصلا الى اللحظة الحاسمة, لحظة التحليق والطيران. تبقى عليهما إختيار الشخص الذي سيحظى في أولوية قيادة الرحلة الأولى إلى الفضاء ليدخل في سجل التاريخ. قرر الأخوان إجراء القرعة بينهما, فكان الفائز الأخ الأصغر اورويل.
كانت الطلعة الأولى خالية من الصحافيين الذي كان من المفروض أن يغطيا هذا الحدث, وإقتصر الحضور في هذا الحدث على أربعة من الكبار وطفلاً واحدًا.

صنع اورويل "تاريخا مجيدًا" كان ذلك في الساعة 10.35 من صباح يوم 17 كانون أول 1903. لقد طار وقاد الطائرة الى الأعالي على مدى 12 ثانية, قطع خلالها مسافة 37 مترا. تبعه بعد ذلك في التحليق شقيقه ويلبور, الذي قاد الطائرة على مدى دقيقة كاملة قطع فيها مسافة 270 مترا!!
لم ينفعل الأخوان, لأنهما كانا متأكدين من صحة حساباتهما وإجراءاتهما وأدركا أنهما سينجحان في مهمتهما, ولكنهما لم يعلما الى أي مدى سيغيّر إختراعهما هذا وجه التاريخ!!!
بعد تحليقهما الأول في الجو, واصل الأخوين على مدى سنتين في تحسين طائرتهما, وقد نجحا في شهر تشرين الأول 1905 من قيادة طائرتهما التاريخية والطيران بها مسافة أربعين كيلومترا بمعدل سرعة وصلت الى 60 كيلومترا في الساعة. بعد ذلك توجه الاثنان مع انجازاتهما الى حكومة الولايات المتحدة. في البداية أهملت الحكومة توجههما. لكن بعد ثلاث سنوات من ذلك الحين, تم التوقيع على إتفاقية بين الأخوين رايت ووزارة الحربية الأمريكية لإنتاج أول طائرة حربية. ومنذ هذه اللحظة إتسعت مجالات أعمال الطيران في فرنسا وألمانيا أيضا.

خلال السنوات المئة التي مرت على هذه الاتفاقية, تطورت عشرات الأنواع من الطائرات والمحركات ساهمت في نقل الركاب والبضائع واحتياجات الحرب والسلام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق